دراسات/ في كتابه نوادر الأصول: رحلة مع الحكيم الترمذي
عبد الله محمد الدرويش
ناقد وخبير بالتراث العربي
لا يستغني علماء الحديث عن مراجعة ما يكتبه الحكيم الترمذي، لما يرون من حكمته وعقله في بيان ما يشكل من المعاني.. ذلك أن:
الحكيم الترمذي مدرسة من مدارس العقل، أسست للفكر الإسلامي منذ القرن الثالث الهجري.. واستطاعت أن تثبت وجودها في ساحة المناهج الفلسفية والروحية.. وأعانت على بناء العقل المسلم خلال أزمان متطاولة.
إمام هذه المدرسة: شخصية متميزة، لم يرضخ لضغوطات الحياة من حوله، بل سعى لأن يكون نافذ البصر والبصيرة..
فاتخذ من الهدي النبوي مشاعل وضاءة رأى فيها المنار الذي سار خلفه، واقتبس من نوره..
لم يقف عند ظواهر النصوص، وإنما غاص في أعماقها، وفتش عن معادنها، فاستخرج منها الجواهر الثمينة..
جعل من نظرته العامة والشاملة للعقل والمعرفة قنطرة يعبر عليها ليوصلنا إلى المداخل الصحيحة للفهم.
من هو الحكيم
يقول الحكيم الترمذي:
الحكيم من انكشف له الغطاء، فرأى عواقب الأمور، زينها وشينها... (1).
فبعد التجارب تستكمل الحكمة... ولهذا قيل: إن العقل بالتجارب (2).
ومن شأن العقل: الدلالة على الرشد والنهي عن الغي (3).
فالعقل هو الكاشف عن مقادير العبودة، ومحبوب الله تعالى ومكروهه.
فعلامة العقل أن يتورع عن مساخط الله تعالى (4).
فالحكمة: أصول العلم (5)، وباطن الأمور، وأسرار العلم (6).
والحكماء: ميزوا رواية الرواة صحيحها من سقيمها (7).
فالحكمة من نور الجلال، فإذا أعطي العبد انفجرت ينابيع الحكمة على قلبه... (8).
فالعقل للقلب، والتجارب للنفس (9).
هل يمكن اعتبار لقب الحكيم قد استمد من تعريف الحكيم الترمذي؟ أي: إن قارئ كتبه وقف على عنايته بالحكمة وما يتعلق بها، فقال: إن قائلها هو الحكيم.
أم أن هذا اللقب كان يطلق على المعتنين بتمييز الصحيح من الضعيف فعرِف به، لعنايته ببواطن الأمور، والنظر إلى ما وراء الكلمات؟!.
لا جواب واضح حول هذه الأمور، إلا أن عنايته بأصول العلم، وأسرار العلم، ووقوفه عند محبوبات الله ومكروهاته، وتورعه عن مساخط الله عز وجل، انعكس كل ذلك عليه من نور الجلال، فتفجرت ينابيع الحكمة على قلبه، فعقل، ومن ثم ميز بانكشاف الغطاء له، فرأى عواقب الأمور، فكان أهلا للقب الحكيم.
ثقافة الحكيم الترمذي
تظهر مقومات ثقافة الحكيم الترمذي في كتابه نوادر الأصول.. فهو:
محدث يستخدم طريقة المحدثين في نقل النصوص بأسانيدها، ويتعدى ذلك ليكون مؤصلا للقواعد المطلوبة من النقاد في دراسة الأحاديث، وإن لم يكن ممن يقف عند الأسانيد، وإنما يتجاوزها إلى المعاني، وكأنه يقول: إنني من مدرسة الفكر العقلاني الذي لا يرضى بالظاهر، وإنما يبحث فيما وراء النصوص وبين الأسطر. فهو:
ـ ممن يستجيز رواية الحديث بالمعنى.
ـ ولا يرى فارقا بين أخبرني وحدثني.
ـ ويرى الكتابة من بلدة لأخرى تجيز أن يقول: أخبرني، وحدثني.
ـ وكذلك المناولة (10).
وربما كان سببا من الأسباب التي أدت لفلسفة وضع الحديث على رسول الله " صلى الله عليه وسلم" ، من خلال حديثه عن قوله " صلى الله عليه وسلم" : «إِذا حدثتم عنِي بِحدِيث تعرِفونه ولا تنكِرونه» (11).
لاعتباره أن كل شيء من الحق وسبيل الهدى هو في حديث رسول الله " صلى الله عليه وسلم" : إما أن يكون واضحا جليا، أو مجملا يحتاج لتفسير، فمن جاء بفروع المجمل، كان قوله هو قول رسول الله " صلى الله عليه وسلم" .
في حين نجده يؤكد على البصائر التي تكشف حقائق النصوص، وأن البصيرة هي الكاشفة لصحة النصوص أو كذبها.. وقد أتى بأمثلة تعبر عن هذه القاعدة التي اتبعها (12).
وهنا تبرز مقدرته العقلية البينة التي لا يقبل فيها من النصوص إلا ما توافق مع الصحيح الثابت عن الله ورسوله بعد مناقشة تكشف عن عمِيقِ فهمه، وغوصه على جواهر النصوص...
ولكننا لا نعدم مخالفته لهذه القاعدة ووقوعه في شركِ المخالفة لما صح عن الله ورسوله.. وخاصة عند نقله عن أهل الكتاب مما لا تصح نسبته لأنبياء الله ورسله مما أدى إلى تأسيس قاعدة عامة في الطعن بالأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، وهو الذي يقول: وقد جعل الله الرسل عليهم السلام أحباءه وأصفياءه، ومن قال لرسول مثل هذا فقد عابه، ومن عابه فقد كفر بالله عز وجل (13).
ومع أنه يحث على التفكر والتدبر في أمر حديث رسول الله " صلى الله عليه وسلم" إلا أنه يمر على بعض القصص والحكايات من غير تثبت ودراسة، وكأنه لم يدقق فيها، أو ظنها مما لا يحتاج إلى بحث وتفتيش. انظر مثلا قصة خلق الفأر والخنزير (14)..
معرفته بعلوم العربية
تظهر عناية الحكيم في هذا الكتاب باللغة ألفاظا وصرفا ونحوا.. وقد برز ذلك في حديثه عن معنى «الكلمة» والتام منها والناقص، وأقل الكلام عند أهل اللغة، وأن الحروف منها للبداية وأخرى للنهاية وما بينهما.. (15).
ـ محاولته لفلسفة اللغة. وانظر ما قاله عن المدن (16).
ـ يميز بين الألفاظ وما وضعت له، فالهدية والطرفة (17) بينهما فرق لطيف، يكشفه لك، فيضعك أمام معنى يستهوي النفس ويساعدها على تنمية الوعي اللغوي للألفاظ.
ـ يحاول إرجاع المعاني الآتية من أحرف متشابهة إلى بعضها بتغيير مواقعها، فالحلم من الملح (18).
ـ محاولته استخراج معاني الكلمات من عكسها:
عطس = سطع (19).
أعطى = أطاع (20).
قنت = نتق (21).
حرص = ص رح (22).
ـ يقرن بين الصرف والنحو في دراسة الكلمة، فتظنه إماما في ذلك الفن، انظر دراسته للسفرة (23)، حيث يذكر قواعد استعمال الفاعل والمفعول مقام بعضهما.. وكيف تحولت الدال إلى ياء..
ـ ولا يخلو كتابه من ضبط ألفاظٍ يظن أنها غير مميزة أو تحتاج إلى بيان، كضبط كلمة مطيطاء: بضم الميم محدودا (24).
ـ يؤلف من الكلمات المتشابهة في المعنى منظومة لغوية، ينبه بها على التقارب اللغوي بين المفردات وإمكان الترادف والاستبدال، انظر حديثه عن: عسى وعتا وقسا (25).
ـ التفاته إلى الأحرف التي تنوب عن بعضها فيما يعرف بالقلب والإبدال:
ز= س = ص .
هـ = أ = و (16).
ـ الاهتمام بالصرف، وتكراره لقواعد في ذاكرته، من أمثال:
أ = هـ (27).
س = ص (28).
ـ وربما تكون هذه العناية بالحروف ناشئة عن البيئة التي عاش فيها، وكانت ذات اهتمام بالعلوم المتعلقة بالروحانيات، وخاصة ما يسمى بعلم الحروف.
ـ تمييزه للهجات العرب.. (29).
ـ ينظر إلى العربية أنها أوسع اللغات (30).
ـ وينظر إلى تشكيل الكلمات من الفتح أو الضم نظرة من يعطي لكل حرف وشكل قيمة تميزه عن غيره، فيقرن السعادة والشقاوة بذلك.. انظر الفرق بين عمرو وعمر (31).
ـ رجوعه لأصل الكلمات صرفا. انظر شرحه لكلمة «الشح» (32). وشرحه لكلمة: «فقيه» (33).
وهو ممن له عناية باللغات الأخرى غير العربية، فيظهر بعض ذلك، كقوله: «وهو الذي يسمى بالعجمية» (34).
المؤلف وعلاقاته مع مجتمعه
نلمس من متابعة الكتاب أشياء كاشفة عن حقيقة المؤلف وعلاقاته مع مجتمعه... ونظرته إليهم، وضمنًا ما يظنونه فيه..
فمن ذلك:
ـ ذكره لوقائع حياتية لمسها بيده، كتوبة بعض العصاة، وما عبروا به عن واقع القانطين من رحمة الله عز وجل (35).
ـ كشفه عن الزهادة الزائفة في عصره وعلاماتها.. ومقارنتهم بحال القسيسين والرهبان (36).. وربما كان هذا سبب محنته في تعامله مع أهل عصره الذين لم يقبلوا منه التنقيب عن أحوالهم، وإظهار قبائحهم.. وتحذيره من أدعياء الزهد الذين يبحثون عن الثناء من الخلق، ووقوفه من الغنى موقف من يضع الأمور في نصابها الصحيح (37).
ومن يقرأ الأصل (196) يظهر له أنه كان يكتبه وقد تأذى من مجموعة من الناس فأفرغ من صدره ما كان يجيش فيه مما أوقعوه به.
موقفه السياسي
الملاحظ عليه: أنه يقف في الأمور السياسية موقفا غير واضح المعالم، ففي حين نراه يحث على الاقتراب من السلطان ولو كان ظالما جائرا (38)، نجده ينظر إلى ابن الزبير بمنظار آخر، فهو في منهجه يعتبره معتديا على الحرم.. لا أنه المعتدى عليه في سلبه رئاسة الأمر... (39). فهل هو ممن يقف في صف أعداء ابن الزبير، أم أنه ينافح عن بيت الله، ويعد من التجأ إليه وانطلق منه مخالفا لحرمة البيت؟!.
وهذا من الأسباب التي أوجبت عدم الثقة به، ومحاربته من قبل جهات متعددة: كالصوفية والفقهاء وغيرهم، ما ذهب إليه من ضرورة القرب من السلطان، لأن في ذلك مطالعة لما خولهم الله سبحانه من النعم، إذ هم ظل الله في أرضه، ولو كانوا أهل جور وظلم، لأن المطلوب هو تلك المشاهدة، ومن ابتعد عنهم، فهو ممن لم تمت شهوات نفسه؟! (40).
وكأنه بذلك يبرر الظلم والجور، مما لا تقبله الفِطر السليمة، ولو أن مقصد المؤلف يذهب إلى غور أبعد مما هو في الظاهر.. إذ إن الحاكم هو إفراز المجتمع بصلاحه وطلاحه، وبذلك: تظهر المطالعة الحقيقية لبواطن المجتمع من خلال الظاهر وهو الحاكم.. وإن كان يرى أن أولياء الأمر هم أولياء الدين، ممن جمعوا بين الهداية والعدل (41).
وإن كان السلف الصالح سابقا يفِرون من أبواب السلطان ولا يقبلون العمل عنده أو له، رغم شهادتهم لكثير منهم بالصلاح، إلا أنهم يهربون من الفتنة، وهم في داخلهم يطلبون من الله عز وجل، أن يسدِد خطى السلطان، وأن يأخذ بيده إلى جادة الصواب.. أملا منهم أن يعافوا في الدنيا والآخرة...
وكأن المصنف يميل إلى أن الله يتحمل تبعة الظلم من العباد لبعضهم، وكأنه يفتح الباب للظلم (42)..
ويمكن أن نجد عكس هذا الفهم عند الحكيم فيما بعد في مؤلفاته الأخرى، فلعله أُسيء فهمه أو تغيرت نظرته..
موقفه من الفقهاء
وهو ممن يحترم الفقهاء، ويرى لهم المنزلة الرفيعة من أمثال: إبراهيم النخعي والشعبي والحسن وابن سيرين كطبقة، وأبي حنيفة وسفيان والأوزاعي ومالك كطبقة أخرى.. وأبي جعفر محمد بن علي من أهل البيت أهل الذكر كطبقة أخرى لها مكانتها الخاصة عند الحكيم (43).
فلا مشكلة بينه وبين هؤلاء الأئمة إلا أنه لا يحترم من انتحل مذاهبهم ممن لم يعرفوا فقه إمامهم، ورغبته في النجاة مما قدم.. رغم تحريمهم وضبطهم، ورغبتهم فيما عند الله عز وجل، في حين جاء أتباع لهم ليضعوا قوالب مغايرة لحقيقة العلم الذي هو المطلوب، واكتفوا بقولهم: يجوز ولا يجوز.. وكل عملهم فتنة، وكل أعمالهم تحتاج إلى تقويم وإصلاح، يتظاهرون بشيء وداخلتهم كلها عوج (44).
فهو يبحث عن فقه متكامل، لا يقتصر على جانب واحد من الإسلام، وإنما يحقق الوحدة التامة بين أجزاء الشريعة.
خطته ومنهجه
تدور أفكاره حول مخطط واضح، فهو باحث عن نموذج، مثالي، عبر عنه بالكبراء (45). ولذلك: كان صدامه مع الآخرين الذين اعتبرهم دون تلك المنزلة.. وهذا متفرع عن نظرية يميل إليها ويدفع عنها، وهي: «ختم الولاية» و«صاحب لواء الأولياء» ولا أدري إن كان يرى نفسه كذلك (46)؟.
وقد اتخذ لنفسه خطة عامة في كتابه يمكن الانتباه إلى أشياء منها:
ـ تأسيسه الكتاب على أصول مسندة إلى أحاديث نبوية، مع عدم انتباهه إلى وضعها وأنها لا أصل لها.
ـ اعتماده أحاديث رسول الله " صلى الله عليه وسلم" مسندة.
ـ ذكره لما يعرض له من آثار في معرض التدليل لكلامه.
ـ استفادته من الموروث في عرض تفسير آية أو حديث.
ـ يضع التساؤل مفترضا من يدفع ما يقوله، ليوصل المعلومة إلى موقعها الصحيح (47) (قال له قائل).
ـ يحاول إيجاد المبررات لكلام المعترض على حديث من أحاديث رسول الله " صلى الله عليه وسلم" بما لا يخالف النصوص (48).
ـ دفعه عن الأحاديث المشكلة، وأن رافضها أتي من سوء الفهم، كحديث: فقَأ موسى عليه السلام عين ملك الموت (49).
ـ يدل القارئ على أماكن دراسته لحديث أو أثر.. فلا يكرر معلوماته إلا في بعض الأبحاث كما مر كقوله: «ذكرنا ذلك في الأصل الخامس..» (50).
ـ إلقاؤه الأضواء على معان طريفة لآيات شريفة تشعر فيها بنفس الواصل إلى الله عز وجل، المتعمق في فهم آيات الله سبحانه وتعالى.
ـ استرشاده بما روي عن السلف الصالح من معان في فهمه لحديث نبوي شريف (51)..
ـ التفاته إلى معان فرعية خلال مناقشة الأثر، فهو يذكر القزع وأنه كان فعل القسس، فيتحول ليشرح لنا معنى ذلك ومن أين جاء.. (الأصل الخامس) من باب الاستطراد.. حيث لا تلحظ قوة الارتباط بين الاستطراد وما يراد منه.
ـ إعادة مناقشته لبعض أفكار لم يتطرق إليها، كما ذكر مع تحديد الأصل الذي تم فيه الذكر (52).
ـ تصريحه بالمعنى الدقيق من غير مواربة، وحتى يتيح للآخرين رفض تلك الصفات الذميمة، مما قد يفهم عكسيا عند الآخرين.. إذ يقول: إن الأخلاق الذميمة وتوابعها من المزابل (53).
ـ قسوته في حواره مع خصومه في العقيدة من المعطلة للصفات، حيث يقول: «كفى.. بهذا خزيا» (54).
مختتم
نوادر الأصول في معرفة أخبار الرسول روضة غناء، فيها من أطايب الثمار، وأحلى الكلام.
وإن وجد فيها ما يكدر تلك اللوحة، فربما يكون للمؤلف عذره الذي شمل أهل عصره ومن تبعهم.
ومن يعيش مع هذا الكتاب تزداد ثقافته المعرفية في شتى مناحيها، وتتوسع مداركه، ويكتسب خبرات لغوية، وعقلية، ترقى به وتأخذ بيده ليعيش في عالم أمثل مع كتاب الله وسنة رسول الله " صلى الله عليه وسلم" .
ومن استطاع استيعاب هذا الكتاب وأمسك بمفاتحه، ملك الجوانب المعرفية التي اعتمدها الحكيم، وأسس من خلالها مدرسته العلمية ذات الطابع الخاص.
هوامش:
1 – نوادر الأصول ص 409. ط عالم التراث، دمشق 2003م.
2 – ص 409.
3 – ص 436.
4 – ص 436.
5 – ص 655.
6 – ص 694.
7 – ص 655.
8 – ص 694.
9 – ص 694.
10 – ص 656.
11 – ص 153.
12 – ص 156-659.
13 – ص 159.
14 – ص 264.
15 – ص 554.
16 – ص 62.
17 – ص 182.
18 – ص 112 و409.
19 – ص 686.
20 – ص 692.
21 – ص 692.
22 – ص 705.
23 – ص 113.
24 – ص 119.
25 – ص 144.
26 – ص 65.
27 – ص 103 و417.
28 – ص 554.
29 – ص 432.
30 – ص 506.
31 – ص 507.
32 – ص 603.
33 – ص 621.
34 – ص 357.
35 – ص 80.
36 – ص 74.
37 – ص 424-425.
38 – ص 252.
39 – ص 267.
40 – ص 252.
41 – ص 666.
42 – ص 377-378.
43 – ص 577.
44 – ص 621.
45 – ص 303 وكرر.
46 – ص 307.
47 – ص 156.
48 – ص 82.
49 – ص 126.
50 – ص 93.
51 – ص 67.
52 – ص 676.
53 – ص 464.
54 – ص 549.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق